عام آخر من المعاناة والتشتت مر على السوريين، مع تحول بلدهم إلى ساحة صراع إقليمي ودولي منذ بداية الأزمة، والتي استفحلت وبدت أكثر حدة خلال العام الفائت، مع ظهور تطورات مختلفة سواء في الداخل السوري أو في المنطقة، وهو ما ساهم في زيادة معاناة السوريين وتعقيد الأزمة التي لم يلح بالأفق أيّة بوادر لحلها بعد، هذه المعاناة عززتها أطماع وسياسات مُتاجرة من قبل أطراف إقليمية، وفي المقدمة منها الدولة التركية التي احتلت أجزاء من الأراضي السورية، ومارست سياسة عنصرية حيال اللاجئين السوريين بترحيلهم قسرًا، وفرضت واقع التقسيم والتفرقة دون أيّة مراعاة لوجع هذا الشعب ومعاناته؛ لا بل ذهبت نحو ضرب استقرار مناطقه الشبه مستقرة- إقليم شمال وشرق سوريا- عندما استهدفت سُبل عيشه ودمّرت مصادر الحياة فيها من ثروات وخدمات.
هذا التصعيد التركي والتدمير الممنهج كان من التحديات الكبيرة التي واجهها شعبنا وإدارته الذاتية وقواتها العسكرية، في ظل استمرار الجهود الكبيرة لمكافحة الإرهاب والتغلب على آثاره.
إن مواصلة الدولة التركية تدمير البنية التحتية وارتكاب سلطة الاحتلال التركي والمجموعات الإرهابية المرتزقة التابعة لها، المزيد من المجازر والانتهاكات في المناطق المحتلة (عفرين وسري گانيية- رأس العين وگري سبي- تل أبيض )خلال العام الفائت، ساهم في إشاعة الخراب والفوضى في المنطقة وتمكين أيدي الإرهاب ونسف جهود البناء وتطوير العملية الديمقراطية.
كذلك ألقت المتغيرات الإقليمية والدولية بظلالها على واقع الحال في سوريا؛ بدءًا من أوكرانيا مروراً بتركيا وحتى غزة، وهو ما دفع المشهد السوري نحو المزيد من التأزيم، مع بقاء الموقف العربي ضعيفاً وغائباً عن المشهد السوري، وبدل أن تساهم الدول العربية في حل الأزمة السورية، باتت هي تعاني اليوم من تداعيات هذه الأزمة، أكثر من أي وقت مضى، وأصبح أمنها القومي مهددًا.
مع كارثة الزلزال في 6 شباط من العام الفائت، والتي ضربت سوريا وتركيا، نشطت الدبلوماسية الإنسانية، وفتح قنوات التواصل مع النظام السوري بغرض تقديم الدعم الإنساني للمناطق المنكوبة، وهو ما أدى إلى تبلور مبادرة عربية للتطبيع مع دمشق، إلا إنها لم تثمر عن نتائج.
كما أنّ الجهود الأممية المبذولة وفق مسار 2254 لم تتجاوز ملفي الدعم الإنساني وخفض التصعيد، وهي بحد ذاتها تعاني إشكالية كبيرة، وهذا يشير إلى إنّ الواقع السياسي السوري يعيش حالة من الانسداد، مما يؤدي إلى إطالة عمر الأزمة وانتفاء فرص الحل والتسوية على المدى القريب .
إنّ مكونات شمال وشرق سوريا بذلت جهودًا جبارة للحفاظ على مكتسباتها وتطويرها، والحفاظ على الاستقرار والأمن للمنطقة، وأفشلت المساعي والخطط الرامية إلى خلق فتن وصراعات داخلية وهذا بجهود جميع أبناء المنطقة، وعلى أساس من التعاون والتكاتف المجتمعي، وهذا العام كان عامًا مليئًا بالتحديات والصعوبات المختلفة أمنيًا اقتصاديًا وسياسيًا، وكذلك كان عامًا مليئًا بالإنجازات التي حققتها الإدارة الذاتية الديمقراطية، والتي مازالت تنتظرها الكثير من المهام، التي لم تنتهي منها في العام المنصرم، وهي متمسكة بنهجها و مصممة على المتابعة وإنجاز ما يليق الحياة الكريمة لشعبنا .
في الوقت الذي نتقدم نحن في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، بالتهنئة لعموم أبناء الشعب السوري بقدوم أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية الجديدة، فإننا نعتصر ألماً على شهداؤنا المدنيين الذين سقطوا نتيجة العدوان التركي الغادر، هؤلاء الأبرياء الذين كانوا يتأملون وينتظرون قدوم عام جديد يحمل معه الأمل، ونحن في السياق ذاته نؤكد بأنّ لُحمة شعبنا وتكاتفه سيبقى السبيل الوحيد نحو ضمان حقوقه وهويته أمام كل القوى التي تريد له الإبادة والتدمير، مطالبين المجتمع الدولي بالتحرك حيال ما يحدث في سوريا، والضغط على الدولة التركية لوقف عدوانها وإنهاء احتلالها للأرض السورية، داعين جميع الأطراف للقيام بمسؤولياتها وواجباتها الأخلاقية والإنسانية لإنهاء معاناة السوريين، وتسخير كل الجهود لإرساء السلام وتحقيق التعايش والمحبة بين الشعوب.
كما ندعو إلى تفعيل مسار الحل السياسي وإطلاق الحوار على أساس الشراكة الوطنية وبناء سوريا الديمقراطية الجديدة اللامركزية، ونناشد جميع السوريين بالعمل لتحويل العام الجديد لعام توحيد الطاقات الوطنية خدمة لمصلحة سوريا ومستقبل شعبها وإنهاء واقع ومظاهر الاحتلال وترسيخ الوحدة السورية.
الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا.
٣١ كانون الأول ٢٠٢٣